[align=center]- علم الجمال
الاستطيقا, علم الجمال (aesthetics): كان هذا العلم أحد فروع الفلسفة وبحث في فلسفة الجمال متمثلاً في الفن, و القيم الفنية التي تحكم التعبير الفني و تثير في الأفراد الإحساس بالجمال. وانقسم الفلاسفة فيه الى اتجاهين: أحدهما يجعل الجمال موضوعياً كائناً في الشيء الجميل نفسه, و الآخر يجعله مرهوناً بالإدراك الذاتي عند الشخص المدرك.
اتجاهات علم الجمال :
إن تعدد الآراء والمذاهب الفلسفية أوجب تصنيف هذه الرؤى الجمالية، لأن البعض لاحظوا استحالة وجود قاعدة عامة تحدد بواسطتها المقاييس لما هو جميل وإن من العبث إيجاد مبدأ ذوقي يعطينا مقياساً عاماً للجمال لأن ما نحاول إيجاده مستحيل ومتناقض لذاته والبعض الآخر حدد بعض المقاييس للجمال.
فلاحظ هيوم أن الجمال في انتظام الأجزاء وتفاعلها على نحو يجعل الجميل يبعث الروح والسرور في نفس المتلقي وإن اللذة والألم لا يصحبان بصورة لازمة الجمال والقبح وحسب بل إنهما يؤلفان ذات الجمال والقبح.
لذلك فإن موضوع الجمال وطبيعته آثار خلاف المفكرين الذين انقسموا إلى أتجاهين:
1 ـ الاتجاه الذاتي: وسموا بأنصار المذهب الذاتي لعلم الجمال.
2 ـ الاتجاه الموضوعي: وسموا بأنصار المذهب الموضوعي لعلم الجمال.
1 ـ الاتجاه الذاتي: كان من أبرز رواده كانط الذي اعتبر أن الحكم على الجمال حكم ذاتي ويتغير من شخص لآخر معتبراً مصدر الشعور بالجمال هو فينا، في مزاج الروح وليس في الطبيعة وإن جمال الشيء لا علاقة له بطبيعة الشيء وإن المحاكمة الجمالية تنبع من الاندماج الحر للفكر وقوة الخيال. وبفضل هارمونية قدرات المعرفة ننسب الموضوع إلى الذات وفيها يكمن أساس الشعور بالرضى الذي نحسه من الأشياء التي هي سبب إعجابنا. فأنصار هذا المذهب ينكرون الجمال المستقل للأشياء وللطبيعة ويعتقدون أن الجمال الوحيد ( لا يوجد إلا فينا وبنا ومن أجلنا ) ويرجعون جمال الأشياء إلى الطريقة التي نتصورها في فكرنا ، فالجمال ليس سوى ظاهرة نفسية ذاتية وإن الشيء يكون جميلاً عندما نراه بعين احترفت الرؤية.
ومن علماء هذا الاتجاه :
ـ هيغل ( إن الجمال فى الطبيعة لا يظهر إلا كانعكاس للجمال الذهني ) .
ـ فيكتور باش ( إننا حين نتأمل الأشياء نطفي عليها روحاً من صميم حياتنا وإننا لا نستجمل العالم وكائناته إلا بمقدار ما في نفسنا من جمال).
2 ـ الاتجاه الموضوعي:
أنصار هذا المذهب قاموا بنقض جميع آراء الذاتيين لأنها لا تتعلق مع ا لمبادئ الأفلاطونية للجمال حسب وجهة نظرهم فالذاتيين أهملوا وجود العنصر أو العامل الموضوعي الذي هو موجود في جميع الأشياء الجميلة ومشترك بينها ويظل موجوداً ومشتركاً سواء كان هناك من يقدر هذه الأشياء أو لم يكن يقدر. حيث يعتبر أنصار هذا المذهب أن الجمال مستقل قائم بحد ذاته وموجود خارج النفس وهي ظاهرة موضوعية مما يؤكد تحرر مفهوم الجمال من التأثر بالمزاج الشخصي وأن للأشياء الجميلة خصوصيات مستقلة كلياً عن العقل الذي يدركها، فالجميل جميل سواء توفر من يتذوق هذا الجمال أو لم يوجد.
ومن علماء هذا الاتجاه :
ـ ديموقراط ( للجمال أساساً موضوعياً في العالم ) .
ـ غوته ( للإبداع الفني قوانين موضوعية ).
يلاحظ إن هذا التنوع وكثرة الآراء الجمالية تعطي لعلم الجمال القوة الجدلية للاستمرار وتعطيها القوة للتغلغل في صلب نسيجنا الاجتماعي ، فعلم الجمال يقوم بتحضير إنسان المستقبل ، وإن علم الجمال هو الذي يؤكد وسيؤكد انتصار الإنسان بآثاره الفنية الخالدة على الفناء والعدم والقبح. والواقع إن تفسير الفن ظل بوجه التقريب يمثل إلى الآن في ربطه بسائر الوظائف الحيادية جمالياً إما لدى الفرد وإما لدى المجتمع فالفن شكل من أشكال نشاط الإنسان في سبيل المعرفة ، معطياً إياه القدرة على التغيير.
أن لكل إنسان رؤية وردود فعل حول الجمال كمفهوم، والجمال كانطباع تجاه أشياء مادية وروحية مختلفة يتذوق جمالها عقلياً، تترك في نفسه إحساساً بالبهجة والارتباك والنشوى والدهشة. فهو المقياس، الذي يحدد جمال المادة، التي تترك لدى المتلقي، الانطباع والإحساس بالبهجة، سواء كان عن طريق التأمل العقلي أو السمع أو النظر أو التذوق.ولكي يكون لدى كل إنسان إحساساً جمالياً راقياً، يتطلّب تربية للذوق الفني والجمالي لدى الإنسان
أما في تعريف علم الجمال معجميا، نجد أن تعريف قاموس "ويبستر" لعلم الجمال هو أكثر دقة من بعض التعاريف الأخرى، وهو " المجال الذي يتعامل مع وصف الظواهر الفنية والخبرة الجمالية وتفسيرها". لكن المفهوم المفضل عن مصطلح علم الجمال هو ذلك المفهوم المستنبط من نظرية الفيلسوف "بيردسلي" والذي يرى أن علم جمال هو علم بيني تقوم من خلاله فروع معرفية عدة- كل بطريقته ومناهجه ومفاهيمه الخاصة - بدراسة تلك المنطقة المشتركة المتعلقة بالخبرة أو الاستجابة الجمالية، بكل ما تشتمل عليه هذه الخبرة أو الاستجابة من جوانب حسية وادراكية وانفعالية ومعرفية واجتماعية.
لابد قبل الخوض في ماهية علم الجمال والجمال والفن، أن نعرج على الإنسان الذي يعتبر المركز الأوحد للإحساس بالجمال والمدرك الوحيد له. كان الناس منذ بدء الخليقة يرهقون التفكير على الدوام بمعضلة ماذا يعني أن يكون الكائن الحي إنساناً وفيما يتمثل مغزى وجوده على الأرض. إن الإنسان كما عرفه الإغريق أنه أعجب العجائب وهو مركز الكون مما دفع علماء الاجتماع للوصول إلى صيغة جامعة تعرف الإنسان وتميزه عن باقي الكائنات الحية. وحددت علاقات ثلاث في تعريف الإنسان وإن الكائن البشري إذا فقد إحدى هذه العلاقات يخرج عن كونه إنساناً ذو قيمة ولا يمكن أن يخطو خطوات جادة في تعظيم الإرث البشري الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الجمالي وهذه العلاقات هي :
العلاقة المعرفية أي ( المنطق ـ الحق ).
العلاقة الأخلاقية أي ( الخير ) .
والعلاقة الجمالية ( الجمال).
يتسم الإنسان للوهلة الأولى بنفس الاحتياجات التي تلازم أي كائن حي آخر، فهو ملزم بأن يأكل ويشرب ويحمي نفسه من البرد والحر ومن هجمات الأعداء وأن يحافظ على نسله، غير إنه يلبي هذه الاحتياجات بطريقة تختلف عن سلوك الحيوان. أما الحيوان فمهما قام من أفعال معقدة تشبه للوهلة الأولى أفعال الإنسان يبقى على الدوام خاضعاً لتأثير احتياجاته البيولوجية المباشرة. فالشيء الذي لا يمس أسس نشاط الحيوان ا لحياتية يبقى وكأنه غير موجود بالنسبة له. فإن الكائنات الحية غير الإنسان ليس من سجاياها معرفة العالم بحد ذاته أي ( العلاقة المعرفية ) والتمتع بجمال العالم وشموخ الجبال وبصفاء السماء وخضرة الغابات ونقاء الأنهار ، لا يشكل أي شيء ذو قيمة بالنسبة للحيوان لهذا فهو لا يكترث بالعلاقة الجمالية. وليس من سجايا الحيوان أيضاً القدرة على أن يضع نفسه في محل سواه أي أن يضحي بنفسه وينكر ذاته من أجل باقي الحيوانات من بني جنسه لهذا فهو يفتقر للعلاقة الأخلاقية التي تتمثل في الخير.
يقول نيتشه ( إن النمر يعرف جيداً كيف يجب أن يكون نمراً ، والعنكبوت يحيا مثلما تحيا العناكب والسنونو تطبعت بالطباع التي تليق بالسنونو، سوى الإنسان وحده ملزم بأن يتعلم كيف يجب أن يكون إنساناً ) ويلاحظ أن السعي إلى الحقيقة المطلقة والحاجة إلى الجمال والتعطش إلى الخير من أبرز وأهم مواصفات الإنسان الجاري تناوله من جانب حياته الروحية والمادية. ولكننا إذا اقتصرنا على تعريف جوهر الإنسان باعتباره متحلياً بالحقيقة المطلقة والخير والجمال، فسوف نصطدم بقدر جم من التناقضات لأن فهم هذا الثالوث ، يختلف باختلاف المجتمعات والعصور التاريخية.
إن جوهر الإنسان ليس مجرداً يتسم به فرد بعينه إنما هو في واقعه مجموع العلاقات الاجتماعية كافية . بهذا التعريف المقتضب للإنسان الذي أرهق الكثير من العلماء الاجتماع والنفس وكان حصيلة تطور الفكر البشري ونتيجة دراسات معمقة ومختصة في مجال دراسة الإنسان والمجتمع.
نأتي الآن إلى الجمال وعلمه. هل للجمال علم وما هو موضوعه وما هي بحوثه وكيف ينصف بين العلوم وهل هو حديث الولادة أم أن له أساس تمتد جذوره في أعماق الفكر البشري وما هي فوائد علم الجمال و...الخ. هذه الأسئلة وسواها تغزوا عقل كل من يرهق تفكيره في هذا العلم وغيره من العلوم.
يعرف علم الجمال (AESTHIK) بالألمانية و ( ESTHETIQUE ) بالفرنسية
و ( AESTHETICS ) بالإنكليزية و ( ESTETICA ) بالإيطالية و ..الخ.
انه علم الأحكام التقويمية التي تميز بين( الجميل والقبيح ) ( معجم لالاند ) وهذا هو التعريف الكلاسيكي للفظ الاستيطقا . وإن لفظ الأستيطقا (علم الجمال) يعود في أصله إلى اليونانية فهو مشتق من ( AISTHESIS ) التي تعني ( الإحساس ) ويفيد معناها الاشتقاقي ( نظرية الإحساس ) ويتضمن الإدراك الحسي وإنها تعني باليونانية في وقت واحد :
1 ـ المعرفة الحسية أو (الإدراك الحسي).
2 ـ المظهر المحسوس لإدراكنا والصورة الأولية لحساسيتنا.
إن أول من دعا إلى إيجاد هذا العلم وجعل لفظ الاستيطقا كإسم لعلم الجمال هو( الكسندر بومجارتن A.G.BAUMGARREN - 1714 م – 1762 م) وذلك في كتاب ( تأملات فلسفلية في موضوعات تتعلق بالشعر ) وقد قصد بومجارتن إلى ربط تقويم الفنون بالمعرفة الحسية مما جعله يعد كمؤسس لهذا العلم.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الاستيطقا من الكلمات التي جرت على الألسنة حتى أن الشاعر جان بول JENPAUL قال سنة 1804 م ( إن زماننا لا يعج بشيء بقدر ما يعج بعلماء الجمال ) لكن موضوع هذا العلم وهو الجميل والجمال والقبح كان مطروقاً منذ عهد اليونان كأفكار متفرقة عند أفلاطون وأرسطو وكزينوقراط وفي عهد الرومان أيضاً مثل أفلاطون وشيرون ..الخ.
تصنيف علم الجمال
يصنف التفكير الفلسفي العلوم ، بعلوم وضعية وعلوم معيارية
1 ـ العلوم الوضعية: وتهتم بدورها في دراسة:
ـ الظواهر الطبيعية .
ـ تعتمد على طرق تجريبية .
ـ تستنتج قوانين وأحكاماً تقريرية.
ـ تهتم بدراسة الكائن وتختص بالوقائع.
2 ـ العلوم المعيارية: وهي العلوم التي تتميز باستعانتها بالعقل.
ـ تتجاوز الوقائع الجزئية إلى البحث فيما ينبغي عليه أن تكون.
ـ تصدر أحكاماً قيمية وتصوغ القواعد أو المعايير، وتدرس العلوم المعيارية القيم الإنسانية الثلاث ( الحق ـ الخير ـ الجمال ). .
فإذا كان علم المنطق يضع القواعد والأسس التي تحاول تحديد العقل من الوقوع في الخطأ ويبحث فيما ينبغي أن يكون عليه التفكير السليم.
وإذا كان علم الأخلاق يضع المثل العليا التي ينبغي أن يسير الإنسان في سلوكه بمقتضاها أي كيف يجب أن تكون تصرفات الإنسان فإن علم الجمال يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه شيء الجميل ويضع معايير يمكن أن يقاس بها. إن الجمال يقربنا من جوهرنا الإنساني أكثر ويجعلنا أرقى اجتماعياً وأكثر نفعاً ويقوي من إدراكنا للواقع المحيط ويمدنا بأدوات يمكن عن طريقها أن نفسر ماهية الحياة بل وحتى أكثر من ذلك باعتبار إحدى أدوات المعرفة يعطينا القدرة على لعب دور مؤثر في التحكم باليات التغير.
يقول فيشر : ( إن الوظيفة الأساسية للفن تكمن في إعطاء الإنسان القوة إزاء الطبيعة وإزاء الآخر وإزاء الواقع).
تعاريف علم الجمال
عرف كل مفكر وباحث وعالم اجتماع هذا العلم اعتماداً على مشاربهم الفلسفية ومذاهبهم الفكرية ورؤاهم الجمالية التي كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصلب نسيجهم الفكري.
فمنهم من عرّف علم الجمال اعتماداً على المعنى الحرفي لكلمة استيطقا ومنهم من عرفوه اعتمادا على مفهوم الجمال والقيمة الجمالية وآخرون اعتماداً على مفهوم الفن وتعددت الآراء والنظريات وتضاربت في بعض الأحيان ومنهم الآخر من تعذر علهيم تعريف علم الجمال بأكثر من كلمة ( إن الجمال هو نفسه ) وهذه بعض الآراء :
أكد ديدور صعوبة تحديد الجمال بقوله ( إن الأشياء التي نتحدث عنها بكثرة هي عادة التي تكون معرفتنا بها أقل ) .
وتساءل عن كيفية اتفاق الجميع على وجود الجمال وأن كثيرين يتحسسونه بشدة حيث يوجد ولكن قليلاً منهم من يعرف ما هو الجمال.
وذهب وول ديورانت إلى صعوبة تحديد الجميل ( إن القلب يلبي نداء الجمال ولكن قل أن تجد عقلاً يسأل لماذا كان الجميل جميلاً ) .
كما هو واضح إن علم الجمال هو العلم الذي يضع لكل موجود قيمة بالإضافة إلى قيمته كموجود. كما اعتمد فلاسفة الإغريق في تعريف الجمال في عبارات كمية ومكانية فالموسيقى انتظام في الأصوات وجمال الفن التشكيلي انتظام في النسب.
اعتبر أفلاطون ( إن الفن سحر ولكنه سحر يحرر من كل سطحيته ، وهو جنون وهذيان ولكنه بهذا ينقلنا إلى عالم آخر هو ميدان المرئيات وهو المثل الأعلى الذي ينبغي على الفن أن يقترب منه).
تعتبر القيم الأفلاطونية في الجمال هي المقياس الذي اعتمد عليه أكثر فلاسفة اليونان من بعده، بعد أن أضافوا إليها رؤاهم الجمالية ، وإن علماء وفناني عصر النهضة دعوا إلى العودة للفلسفة الأفلاطونية والميراث اليوناني والروماني في الفن والأدب والفلسفة أخذها أساساً لعصر التنوير حيث كانت القيم الكلاسيكية تعتبر الإنسان هو مقياس المقاييس وإن الجسم البشري هو الأساس لكل تقييم ومعيار يجب الأخذ به.
حيث دعى أفلاطون إلى محاكاة الطبيعة ومن هنا جاءت فكرة المحاكاة MIMESIS وينتقل أفلاطون من جمال الأجسام إلى جمال النفوس ومن جمال النفوس إلى جمال الصور العقلية أو المثل العقلي بيد أن أفلاطون يجعل الفن في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الحقيقة والخير بل يؤكد أن الجمال لا يتفق مع الحق ومع الخير لأنه يتجلى في المحسوسات ، والمحسوس عند أفلاطون في مرتبة دنيا بالنسبة إلى المعقول الذي ينتمي إليه الخير والحق، لكن أفلاطون في إدانته للفن بوصفه محاكاة تردد بن التشدد والتساهل ولقد كان الغالب على أحكامه عن الفن، القسوة والتشدد وقال ( إن الفن لهو غير مؤذ) .
واعتبر أرسطو الذي نقض بعض آراء أفلاطون إذ أشاد بالمحاكاة وقرر إن الفن لابد وأن يحاكي الطبيعة كما تتجلى وتظهر لكن وفقاً لمعيار كلي عقلي وهو يرى أن المحاكاة وسيلة من التطهر من الانفعالات الضارة ونوعاً من الدواء النفسي.
وفي الجانب الآخر نقض أفلوطين ( 205 م – 270 م ) آراء أفلاطون معتبراً إن الجمال يكمن في الصورة العقلية ويؤكد ( أن الجميل هو المعقول المدرك في علاقته بالخير) .
ومنهم من رأى إن الجمال بالمنفعة واعتبروا إن الأشياء النافعة جميلة في حين اعتبر آخرون أنه ليس من الضروري أن يكون المفيد والنافع جميلاً ، فمثلاً إن المقعد قد يكون مريحاً ومفيداً دون أن يكون جميلاً ، أعتقد هربرت سبنسر ( 1820 م – 1903 م ) ( إن الرغبة التي تنشأ عن الحاجة تنفي كل شعور جمالي، وإن السعي إلى تحقيق غاية من الغابات المفيدة للحياة يجعلنا نغفل الصفة الجمالية في هذه ).
وفي كتاب الدكتور شاكر عبد الحميد " التفضيل الجمالي وسيكولوجية التذوق الفني " والذى يمكن اعتباره ليس دراسة تاريخية لتطور مفهوم وأدوات التعاطي مع علم الجماليات وتفضيلاته فقط، وانما هو بمثابة فتح النوافذ الداخلية للنفس كي نصل إلى الحدود القصوى من المتعة والانتشاء بالطبيعة والكون وأنفسنا، والتأمل الجمالي والتطهر من الخراب والأعطاب التي تصيب النفس البشرية جراء تراكمات صدأ الحياة اليومية. لقد أستقصى المؤلف معنى ومفهوم المصطلح الذي يتعامل معه مثل استقصائه للمعلومة وتطورها ومسارها التاريخي. كما تتبع مفهوم التفضيل الجمالي وعلاقته بالعلوم الانسانية المختلفة، فلسفيا، أدبيا، فنيا، تربويا، وغير ذلك.
معظم المفاهيم والمقولات عن الجمال في الحقبة اليونانية كانت تدور حول الادراك الحسي أو الحس الجمالي عن طريق الحواس أو الانسجام بين الأشياء أو ربطه بالأخلاق والخير والشر في محاولة للاجابة على سؤال: "ما الجمال؟". أن أولى الصياغات المنتظمة هي تلك التي قدمها "بيرك" عام 1775م حول الجمال حين قال بأنه "الانفعال الذي يجيش في صدورنا". ان الجمال ليس متعلقا بالشكل المنفصل أو المنعزل عن مضمونه، لكنه يتعلق بالتركيب الخاص للمستويات المتنوعة من المعنى والتأثير الشامل، والاحساس الشامل بالحياة في تألقها وتدفقها الدائمين.
ونظرا لارتباط علم الجمال بالفنون والآداب ارتباطا قويا، فإن استقصاء مفاهيم الفنون عبر تاريخ تطور رؤية الفن ومفهومه، فأن جمال العمل الفني لا يكمن - كما أشار "جومبريتش"- في جمال موضوعه، بل في جمال أسلوب التعبير عن هذا الموضوع.
ليس هناك ما يمنع في تعريف الفن من أن تكون علاقتي الموضوع الجمالي عموما، والفني خصوصا، ليست من قبيل "الكل أولا شيء" أي أن تكون علاقتنا بالموضوعات الجميلة عموما، والفنية خصوصا، علاقة منزهة عن الغرض فقط، ثم تستبعد حالات أو أنواع العلاقات الأخرى معها.
العلاقة التي بين المتلقي واعمل الابداعي الفني ليست علاقة واحدة فقط هي العلاقة الجمالية، أو علاقة الاستمتاع والتأمل على مسافة معينة فقط، بل هي في جوهرها، علاقة موقفية تعتمد على "طبيعة التفاعل"، بيننا وبين العمل الفني في "موقف معين"، وهذه خاصية لا تعمل ضد الفن بل تعمل معه، وكلما كان العمل الفني قادرا على النشاط والتأثير في مواقف متعددة، تعددت تفسيراته وتأويلاته ومستوياته، وكان هذا العمل أكثر خصوبة وثراء. رغم كل الآراء والاتجاهات لتعريف الفن أو فهمه فإننا نقع في حيرة عند محاولة الاقتناع أو التمسح بمفهوم واحد على حساب الآخر، حين تتجلى التعريفات عن مفاهيم مبتسرة. إن الفن ظاهرة يصعب تعريفها حقا، فأحيانا لا تكون هناك حدود واضحة بين ما يمكن اعتباره فنا وما لا يمكن اعتباره فنا، وما قد نعتبره اليوم فنا قد لا يصبح كذلك في فترة أخرى وفقا للاهتمامات الشائعة والأيديولوجيا وأساليب الحياة التي يعتمدها الناس أكثر في حياتهم.
رصد الدكتور شاكر عبدالحميد المصطلحات وتطورها ودلالاتها عبر تتبعه لتشكل المصطلحات تاريخيا وعبر الاتجاهات المختلفة التي تعاملت معها حسب تخصصها. لذا استخدم المؤلف مصطلح "التفضيل الجمالي" لما للانسان من دور بشكل إرادي أو لاإرادي باختيارات جمالية في حياته اليومية والعملية. ويرى أن التفضيل الجمالي هو نوع الاتجاه الذي يتمثل في نزعة سلوكية عامة لدى المرء تجعله يحب، (أو يقبل على أو ينجذب نحو) فئة معينة من أعمال الفن دون غيرها.
وهو يشير عموما إلى أن عملية التذوق وما يصاحبها من حساسية وأحكام جمالية وتفضيل جمالي عملية تتغير متأثرة بالخبرة سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى الجماعة، وأن هذا التغير قد يكون نحو الأفضل، أو نحو الأسوأ اعتمادا على النماذج الجمالية التي يتعرض المرء لها، واعتمادا على الأذواق السائدة في المجتمع، وعلى عمليات أخرى كثيرة بعضها تربوي، وبعضها اجتماعي، وبعضها اعلامي. ويمكن تعريف الخبرة الجمالية على أنها حالة معينة من الاندماج مع مثير أو موضوع جمالي، لا لسبب إلا مواصلة التفاعل معه، نتيجة ما نشعر به من متعة واكتشاف وارتياح أو قلق، بتأثير من هذا التفاعل. من خلال استعراض مناطق الخبرة الجمالية مثل المتعة والتقمص والمسافة النفسية، مرورا بأبرز رواد هذه الأساليب في التفضيل الجمالي، يستخلص الدكتور شاكر عبدالحميد حالة الخبرة الجمالية على أنها حالة من التفاعل الجدلي والحركة البندولية بين الاقتراب أو( التقمص أو الاندماج) والابتعاد أو( المسافة ).
أن الاهتمام المنظم بالفن والجمال يعود إلى بدايات الفلسفة اليونانية عامة، والى أفلاطون وأرسطو خاصة. فبينما أكد أفلاطون على أن المحاكاة الفنية، وبخاصة في التراجيديا والشعر التراجيدي، تعمل على تأجيج الانفعالات القوية، وتضلل الباحث عن الحقيقة فتبعده عنها، فإن أرسطو قال إن الفنون عموما لها قيمتها العالية، لأنها تصحح النقائص الموجودة في الطبيعة، وأن الدراما والتراجيديا خصوصا لها أهميتها لأن لها إسهامها الإيجابي في التطهر من الانفعالات السلبية المتطرفة، ومن ثم تقوم بدور أخلاقي إيجابي. والتراجيديا في رأيه كذلك وسيلة للوصول إلى المعرفة من خلال عرضها للحقائق الفلسفية.
أما بعد ذلك وخلال القرن الثالث الميلادي فقد ربط أفلوطين في حديثه عن الفيض بين الفن والدين وبين الجمال والخير، وأكد أفكار التناسب ووحدة الأجزاء داخل الكل، وانتهى إلى نظرية مثالية صوفية وحد فيها بين حقيقة الوجود والخير والجمال، وصور من خلالها شوق النفس الانسانية المستمر إلى الاتصال بهذه الحقيقة المطلقة والتشبه بها.
في العصور الوسطى تحول الاهتمام من القضايا الميتافيزيقية إلى القضايا المنطقية واللاهوتية بفعل التأثير الطاغي للكنيسة حينئذ، وأصبحت الأفكار الجوهرية متعلقة بالمشكلات الدينية، بينما صارت قضايا الفن قضايا فرعية، وتناقش في ضوء التصورات الدينية فقط. وحافظ "لجميل" على مكانته لكنه كان محاطا بهالة من القداسة، وقطعت كل صلاته القديمة بالفن، وتم إحلال صلات جديدة بدلا منها تربطه على نحو وثيق بالمقدس الديني.
حيث ربط القديس توما الأكويني بين الجمال والحب والايمان. وذلك لأن "الجميل" يؤمن بالحب ويثيره في النفس، والحب إذا ارتبط بالايمان والصدق يقود نحوالحقيقة. بعد ذلك أصبح هدف الفن هو الجمال، وأصبح الجمال قيمة ترتبط بالنسب المتوافقة أو المتآلفة التي يتم استخلاصها من الكون والعالم ثم وضعها في الأعمال الفنية.
رأى الفيبسوف هيوم في الفن وجمالياته إلى أن العديد من خبراتنا يمكن اختزالها إلى ترابطات خاصة بين أفكار بسيطة، وأن خبراتنا السابقة تلعب دورا مهما في عمليات الترابط هذه، وأن الميول الأخلاقية تقوم على أساس مبادئ خاصة بالتعاطف والانفعالات الموجهة نحو الآخرين.
"هيوم" ومعيار الذوق:
أكد "هيوم" وجود تنوعات عدة من الذوق في العالم، مثلما توجد تنوعات عدة للآراء، حتى فيما بين الناس الذين عاشوا في المكان نفسه، وخضعوا للأنظمة الاجتماعية والسياسية والتعليمية نفسها، وهذا صحيح - في رأيه - عبر الأمم وعبر العصور. وتوجد داخل كل مخلوق، كما يقول "هيوم"، جوانب قوة وجوانب ضعف، كما أنه يمر بحالات من القوة والضعف وجوانب أو حالات قوة الأعضاء أو الحواس فقط هي التي يمكنها أن تمدنا بمعيار حقيقي للذوق والعاطفة.
ويقول "هيوم"، وعلى نحو يثير الدهشة، نظرا لقرابة ما طرحه منذ ما يزيد على مائتي عام، مع كثير من الآراء الحديثة في نظريات القراءة والتأويل واستجابات القارئ. "ان نفس المهارة والبراعة اللتين تمنحهما الممارسة للعملية الخاصة بتنفيذ أي عمل، هما أيضا ما يتم اكتسابه بالطريقة نفسها، بالنسبة للعملية الخاصة بإصدار الأحكام عليه". وكان يرى أن الشيء المهم بالنسبة للفن هو ملاءمته، أي المتعة التي نستمدها منه، وأن يتعلق هذا الفن كذلك بانفعالاتنا أو عواطفنا المرتبطة به في المقام الأول قبل أن يكون مرتبطا بالطبيعة الداخلية اللازمة له، وأن هذه الانفعالات لا ينبغي أن تحمل أي مرجعية مباشرة لما يقع خارجها، وأيضا أن تكون حقيقية خاصة عندما يكون الانسان واعيا بها، وأن التفضيلات الجمالية هي بمنزلة التعبيرات عن ذوق المتلقي، أكثر من كونها إفادات عن الموضوع الفني. ويجد "هيوم" في هذا التنوع الكبير في الأذواق ما يؤكد وجهة نظره هذه.
[/align]
منقووووووووووووول
Bookmarks